كتاباتي

8 يوليو 2020 م كان لقاؤنا الأخير مشوِّقاً ومروِّعاً في الآن نفسه، كنت متحمساً لذلك اللقاء، لم يخطر ببالي أن تلك الكلمة ستخرج مني فيه. إننا من فرط شعورنا نخسر. نهجر عندما يزيد الحبّ عن حدّه.. (تقول أحلام مستغانمي). لا أحب ذلك الأسلوب الرخيص في أن استغل حبك لي في الزعل حتى تراضينني، ولكنني فعلتها. لم أفكر قبل ذلك في أن ردة الفعل قد تكون عكسية! كنت أعتقد أن حبكِ لي لم يكن بسيطاً لتهدمه كلمة. يبدو أن رحيلكِ هذا هو الوداع الأخير. ولكنني سأستفزّ الحُب ولن أحزن. أنا كثير التفكير في رحيلك. تقولين أنني أتشاءم دائماً ولكنني من فرط ما أخشاه أفكر به لأتحاشاه، والغريب أنني أقوم بالأفعال التي تأججه، وكأنني عندما أفكر أرسل لعقلي أن قُم بواجبك تجاه تلك الفكرة فيبدأ هو وهو الذي يحرص على إيذاء قلبي لعدائهما الشديد يقوم بعمله على أكمل وجه، فهو يجعلني أتصرف على تلك الفكرة ويستمر الأمر إلى أن تنجح خطته. الكلُّ هنا حزين. قلبي الذي لم يلبث بفرحه بعودتكِ كثيراً، وعقلي الذي قام بذلك العمل الجنوني ولمبادئه العالية فهو حزين على جروح قلبي. وأنا.. أنا الذي أصبحت ضحيةً لأعداءٍ أنا من جعلهم بذلك العداء، وأنا من جعل الأول حراً ليهوى، والثاني رئيساً ليتحكم. أنتِ نائمةٌ الآن وهذا التوقيت يجعلني أكثر حرية بأن أخبركِ بكل شيء.

3 يوليو 2020 الساعة 5:18 صباحًا. اليوم. وقبل أن أكون عشرينياً بأشهر. طويتم صفحتي أم اقتلعتموها!؟ أصدقاءٌ زعمت أنهم أخوةٌ لم تلدهم أمي، بفكرةٍ غبيةٍ اعتقدت أنهم لي مدى الدهر. وبعشيةٍ وضحاها أصبحت رقماً زائداً بل صفراً على الشمال. لم أكن بعد كل تلك الأيام أفترض أنني سأصبح أنا الآن. كنا معاً كل ضحى، نعاني سوياً ونضحك سوياً وأشياء كثر، لم أنسَ حتى اليوم تلك اللحظة التي مسحت بها خدك من الدمعة التي لا تزال تقطر على قلبي. كنت أستاذي في الحُب والحياة. أبهذه السهولة تقتلع جذوة الحب التي ضللت أسقيها منذ نعومة أظافري! لم أكن أعلم أن الدنيا كئيبةٌ إلى هذا الحدّ. يجرّني الحُب يمنةً ويسرة، يقطِّعني تارةً وتارةً أخرى يمنيني. أزعم بأن هناك من سيحل مكانك ويغير لي المفاهيم ولكنني أكذب. أكذب على نفسي وأعجز أن أصدقني!. كنت أشعر معك بتلك الخفة، تلك النشوة، تلك الأنفة، تلك الروح التي علّمتني أن الحُب إن لم يكن على دينها فليس حُباً. أقول لأؤلئك الذين يحاولون سرقة قلبي: ليس لدي قلب .. قلبي في يديه لا يزال يحطمه. غربَت .. وكأن الصبح لم يأتِ يوماً بنسماته الباردة، وكأن الشمس ما خُلقت، وكأن الحُب لم يكن، وكأن الدنيا مسرحيةً أبدع مؤلفوها بكل هذا الحزن. هرعت أركض ليس لأي مكان بل إلي. أبحث عني أين أنا فلا أجد إلا حطاماً هدمته بنفسي قبل أن أبنيه.. لا أحد يعرفني هنا، أربع وعشرون شخصاً يقولون أنهم اخوتي واثنان أعرفهم بأمي وأبي .. لكنني بينهم غريب. أنت هناك، في المكان الأبعد عني والأقرب مني، أتلمّس صدري فأجده خاوياً إلا منك. أضلعي باتت مهترئةً كقلعةٍ تُركت بعدما صُنعت السيارات فلم يحارب من أجلها أحد. أسأل نفسي: من شريكة الحياة التي ستقبل بكل هذا الدمار! ستجدني قد أنشأت كتابين أو خمسة وتعتقد أنني أفهم ولكنني بطبيعة الحال أحمقٌ يبكي خياراته الفاشلة بتلك الكتب. لا أحد يكتب عن شيءٍ حققه بكل أنفة، بل كل الذين يكتبون يكتبون ليلجموا خساراتهم التي أصبحت عبئاً على كواهلهم. حتى الذين كتبوا التاريخ إنهم ينتقمون من أعدائهم ليُروا العالم كله أنهم الأقوى والأجدر. والآن .. بعد كل هذه الترهات التي جعلتك تكرهني أكثر .. أنا أُحبك. لا أحد يجبرني على قول هذه ولن يكون لأحدٍ الحق في تكذيب هذا. أنت الذي ولد في قلبي الحُب وهذه هي الحقيقة العلمية الوحيدة التي يُجمع كل أعضائي بها. بل إن أؤلئك الذين يشككون في أن الأرض مسطحة لن يستطيعوا التشكيك في هذه المسألة. أنا أُحبك. رغم فشلي في تحقيق ذلك، رغم زعمي بأنني سأعيش سعيداً بدونك، رغم تصفيق الحضور بعد قصيدتي التي كانت بابتسامتك. رغم كل الأشياء التي جعلتني باهتاً إلى هذا الحد الذي يجعل "أُحبك" مني رمادية. قد لا تصدق هذا الكلام، ومن الأكيد أنك ستقرأه بدافع الفضول أو إلى أي حدٍ وصلت في تصفيف الكلام ولكن هذا لا يمنعك من تصديق أنني أُحبك رغماً عني. ورغماً عن أحرفي، ورغماً عن كل الذين يعتقدون أنني أحببتهم لوهلةٍ من الزمن.

"بحبك صرت أسوي أشياء ولا اتخيلت اسويها" تقول داليا مبارك. (فنانة سعودية) يقول فواز اللعبون. (أديب سعودي) "في الحب ضع الكرامة جانباً، وأصعد تسعد." في الحب يا حبيبتي لا نستعمل إلا قوانا القلبية. وأي فعلٍ يناقض تلك يعني أننا لسنا نحب أصلاً. في تلك اللحظة التي لا تزال تحوم في رأسي وتغرب بي وتشرق لم أكن أتوقع ذلك مني. أنا الذي بقيت أنهركِ عن ذلك القول.. كيف قلته؟ إن هذه الردة في حبنا قد تضرب به عرض الحائط فكأنما هي قطرةُ "بنزين" ستبقى مشتعلةً لوقتٍ طويل. حين سرقت عزّةُ قلب كثيّر. ورمى أهلها عشقهما إلى الكلاب تفترسه لم يكن يقول: كرامتي لا تسمح! في كل الكتب والقصائد والخطب والمنابر التي صدحت باسم العشق وكرّست معناه الحقيقي لم يكن للكرامة حضوراً بين كل الجماهير المشاعرية. إنها لا تُدعى إلا لحفلات الشجاعة والرجولة والأمور الصلبة. أما في حفلات العشق ورقصات الحزن وأنغام الحنين فإنها إن حضرت فهي لا تزيد الأمر إلا سوءً. شهاب.. مرّ بسرعةٍ وانساب. رآه أطفال حيّنا فما لبثوا أن غمرتهم الفرحة إذ أمكنهم القدر رؤية شيءٍ تختص به الأفلام الكرتونية. هي لحظتنا التي كدنا منها أن نخسر حباً وهبناه نحن قبل كل أشيائه. لا يزال بداخلي الإصرار العنيف تجاه أَن أُكمل ردةَ فعلي ولكنني خشيت. الخوف أكبر عائقٍ يمرّ به مكبّل اليدين. في السجن يحاول السجان بث الرعب في قلوب مساجينه حتى يزداد بهم الأمر سوءً ولا يستطيعون الفكاك. حتى يكون لسجانهم بصمةً في أفعالهم بعد ذلك. إن الخوف يا حبيبتي هو داؤنا ودواؤنا، فإن خفنا سلمنا، وفي أحيان إن خفنا خسرنا كل شيء.

الثلاثاء .. 14 يوليو 2020 | 2:29 ص. سبع سنوات غيّرتنا كثيراً... لم أكن أعلم أنها ستمرّ بهذه السرعة! كان لها أن تكون ثقيلةً أكثر .. طويلةً أكثر .. ومتعبة كذلك. رأيتك اليوم ولكنك سرعان ما حاولت جاهداً أن تبتعد عني... رفعت رأسي أبحث عن القمر كان أحدباً فلم أرى إلا جانبك المضيء. تذكرت عندما وعدتني ذاك اليوم أنك لن ترحل أبداً. هل تذكر؟ أمنيتنا التي لطالما رددناها وأمام الجميع أن يكون يوم وفاتنا سوياً... لا زلت أتمناها في الحقيقة فأنا لا أريد أن تموت وأن أبكي أكثر من هذا البكاء.. وإن أردت الصدق فقد نفدت دموعي وأخشى أن يقولوا مات حبه بقلبها. وسادتي سرقت مني كل هذه الدموع ولم تمنن عليّ يوماً بكلمة مواساة.. إحدى صديقاتي تأخذ موضع أحلام مستغانمي والتي كانت تتصل بصديقتها كاميليا في الوقت الذي كان يكلمها حبيبها فيه لتلهيها عن التفكير به وتحاول أن تنسيها إياه.. وبعد حقبةٍ وجدتها لا تزال تحنّ إليه.. إنها لا تُغيِّر شيئاً ولا أزال أشتاق إليك. الشيء الذي يفرقنا عن قصة أحلام وصديقتها هو أنك لا تُحب الأدب فلا أجد رسائلاً لك لأعطيها صديقتي وتكتب روايةً بها.. كما أن السبع سنوات التي قضتها كاميليا في الحنين فعليّة وليست كسبع سنواتي فماهي بالفعل إلا سبعة أيام ولكن القلب مجنون لا يعرف المنطق ولا حتى الحساب الصحيح للأشياء. يؤلمني قلبي ويخفق بقوة.. إنه يلعب باتزاني عند ذكرك.. أنا تلك الرزينة التي تدير الحوارات في سمرات صديقاتها تعجز عن وصف شعورها الآن وهي تعلم أن هذه الرسالة من الممكن أن تقرأ يوماً... أكتب لك هذه الرسائل بقلم الرصاص حتى أستطيع مسحها قبل أن يعثر أحدهم عليها.. لا شيء أسوء من أن يولِّد من تحب بداخلك الخوف.. الخوف منه وبه وعنه.. إن كل الجروح التي جعلتها تثقلتي وتقلقني كثيراً أشد علي من أنك جعلتني أخاف.. جعلت الرعب يستوطنني حتى أصبحت كـ شاب فلسطيني يخشى الخروج لإحضار كسرة خبز لأخته التي يقتلها الجوع وذلك لوجود جنود الإحتلال بجانب قريتهم. هل تعلم؟ أنت سيء.. وأنا أُحب سوءك كثيراً... أرأيت كيف جعلتني أعشق حتى عيوبك.. أنت سيء تلك الحقيقة التي آمنت بها لكي أتخلص عن هذا الحب الذي يكلفني نفسي ووجدتني بقيت عاشقةً لكل هذا السوء.

الخميس 16 يوليو 2020م | 5:55 ص. عندما كلمت ساعي البريد.. وشرحت له التفاصيل المملة التي ليست من عمله طلبت منه رقمه الخاص كي يخبرني عن ردة فعلك بعد استلام تلك الهدية.. جروحي، التي نزفها أحد الكتّاب عني، فأبدع في وصفِ لحظاتي القادمة.. وأيام التعيسة بدونك.. البارحة وعند الساعة 9:15 مساءً اتصل بي ساعي البريد وأخبرني عن دهشتك واستحياءك عندما تسلَّمت الكتاب ورأيت طريقة الإهداء ففهمت أنني أنا مرسلتها. بعدها بأربع دقائق رنّ هاتفي ففز قلبي وكأنه يعلم أنك أنت المُرسل في تلك اللحظة، تقرأ ما وضعت عليه الموقف: اشتقت إليك... أرسلتها لي ولم أكن أعلم أنني لا أزال في حياتك، ضللت أحدّق بهاتفي.. تتقلّب في ذهني الأمور، هل حقاً يقصدها؟ هل حقاً سأصدق زيفه بعد شحنة الجروح التي أثقلني بها؟ هل هو نادمٌ على ما اقترفه بحقي! أُقلِّبُ هاتفي ويمرّ شريط علاقتنا نصب عيني وأنا في حيرةٍ من أمري. أقول تارةً لم يعد في مكانه القديم.. وتارةً أخرى يؤنبني قلبي الذي لم يعرف أبداً ما هيّة الكرامة.. وتتطاير الأتربة في معركةٍ ضروس بين عقلٍ مثقلٍ بالهموم، وقلبٍ خاضعٍ للحنين.. وأيهما المنتصر في صدر الإنسان العاطفيّ! أشرح لأختي علّها تكتب هدنةً بينهم.. وأختي تمدّ العقل بجندٍ لا قِبَلَ لقلبي فيها.. ولأنني رحيمة أعطف على قلبي براياتٍ بيضاء لعله يعلن استسلامه وتنتهي هذه المعركة.. يقول عقلي أنه لن يسفك دمَ شعورٍ واحد وعندما رُفعت الرايات البيض فعل فعلة المغول عندما دخلوا إلى بغداد فلم يبقوا حجراً على حجر... أعود بعد هذه المعركة الطاحنة إلى واقعي الكئيب.. وإن أردت الحقيقة فليس لعقلي حقُّ الإنتصار لأنه طاغٍ متجبر وقلبي مسكين لا يُحب المعارك والعنف، ولو فكرنا بالأمر قليلاً لرأينا أن تفسيرات العقل وتحليلاته الأولى بعد ردة الفعل تلك لم تكن صحيحةً إطلاقاً.. فهو ما يزال بناءً على ردة فعله يحبني، لا زال يريدني، لا زال يشتاق إليّ والعتب كل العتب على أمةٍ جعلت من الحُبِ كارثةً سياسية. قولي لهم بكل كبرياءٍ: يحبني ... يحبني كثيراً يقول نزار قباني. يحبني ... يحبني كثيراً فلماذا يقولون لي اتركيه؟! يحبني ... يحبني كثيراً ومن الممكن أن تفسيرات عقلي لم تكن صائبةً عندما أخبرتهم بكل هذا البكاء. يحبني .. يحبني كثيراً وأنا آسفةٌ على جعله بهذا السوء في عيونهم من فرط حزني وولعي تلك اللحظة. يحبني ... يحبني كثيراً رغماً عن كل الأشياء التي جعلتنا نفترق. هم لا يحبونه بالفعل، وعندما أرادوا أن يثبتوا له ذلك أجبروه على الرحيل ليحزن، ولو علِمَ أن الرحيل دليلٌ على كرههم له لما خطّ فيه خطوة. يميِّعون له الكلام .. يقولون: حبيبتك لم تكن يوماً صالحةً لتحبها كل هذا الحُب. إن أؤلئك الذين بذروا في قلوبنا الحزن لم يحبونا بالفعل، ولو كانوا يحبوننا فعلاً لفعلوا كل ما يجعلنا سعيدين ولتنازلوا عن كل ما يجعلهم بعيدين عنا كل هذا البعد. ولو كانوا يريدون لنا السلامة لاحتضنونا كما يحتضن العضل عظمةَ الفخذ لكي يحميها من الكسر. إنهم لا يحبوننا عندما قالوا لنا ارحلوا عمن تُحبون... انتبهوا أن تعودوا فهم يحاولون كسركم مرةً أخرى... قد نكون أسأنا الظن بمن نُحب وشرحنا لهم عكس ما كان واقعاً، ولكن هذا لا يمنعهم من أن يؤتونا كلمةً تخفف ذلك الألم الجاثم على قلوبنا؛ ما دُمنا لجأنا لهم في أحلك لحظات ضعفنا.

الجمعة 17 يوليو 2020م الساعة 3:10 صباحاً. لطالما وددت أن أقول لك ارحل بعيداً عني.. لطالما كان بخاطري أن نسير في دروب الغياب دون أن يقترنا فنعود صفراً.. كنت اليوم أخبركِ بطريقةٍ غير مباشرة من أنني أود الرحيل.. ليس عنكِ فحسب بل عن هذه البقعة الجغرافية التي تحتضننا وتدع دروبنا تتقابل دوماً. هذه الأماكن، التي يجب على الجميع أن يلعنها، فهي ساحة الحنين التي تُقام فيها كل تلك المعارك. هل يجب علينا أن نستسلم في كل لحظة! إن ما نفعله دائمًا لا يعني أننا ضعفاء بالكمِّ الذي تعتقدون، ولكن.. هل يصنع الفارس سيفه؟ أم الحدَّاد؟ هذا مربط الفرس، اؤلئك العُقلاء في مكانهم الصحيح في كراسي المنطق، ونحن العُشَّاق، في مكاننا الصحيح أيضًا عند دفاتر القصائد وأوتار الأكمنة. كلٌ ميسَّرٌ لِما خُلق له. ونحن لا يمكننا أن نلعن الحُب، ونحن أهله وحاشيته! والآن... هلّا رحلت؟ ما دمت تقول أننا ان نستطيع العودة كما كنا. ما دمت تزعم أن الأمر لك يكن بيدك. إذن، بيدك الآن أن ترحل. أن ترحل بعيدًا حيث لا أرى إلا طيوفك المشاغبة، وصورك التي صدأت إطاراتها، وباتت ممتلئةً بالغبار. هلّا رحلت؟ إلى المكان الأبعد فالأبعد، إلى المكان الذي سيجعلني أنزف الدمع حزنًا بعد حزنٍ، فينتهي كل شيء، ولا أعود إلى حنيني إليك يومًا. لست قويًا، أعترف بذلك، أنا لا أستطيع أن أحذف جميع صورك في هاتفي، ولكنني سأراها يومًا بلونٍ رماديٍّ يجعلني لا أبكي بعدها أبدًا، فألوانها نزلت مع أدمعي، ولم يبقَ بجعبتي شيءٌ يُعديني إليها. إرحل.. أرجوك.